زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران- نحو تهدئة التوترات الإقليمية؟

المؤلف: حمود أبو طالب09.22.2025
زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران- نحو تهدئة التوترات الإقليمية؟

في غضون الأسبوع المنصرم، تجلَّت زيارة وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية كحدث محوري ذي دلالات جمة. إن هذه الزيارة تكتسب أبعادًا استثنائية نظرًا للظروف الدقيقة التي أحاطت بها، والرسالة السامية التي نقلها من خادم الحرمين الشريفين إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي، فضلاً عن اللقاءات الهامة التي جمعته بكبار المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم رئيس الجمهورية والقادة العسكريون ذوو النفوذ.

من المعلوم بالضرورة أن مسار العلاقات بين البلدين قد شهد انطلاقة تدريجية نحو التحسن عقب اجتماع بكين التاريخي. والمملكة العربية السعودية، وكدأبها الدائم، تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية وبناءة مع جميع الدول، على أساس الاحترام المتبادل، والتعاون المثمر، وتسوية الخلافات العالقة، ونزع فتيل الأزمات المشتعلة، وتوطيد دعائم السلام والاستقرار في المنطقة والعالم. وتأتي هذه الزيارة في خضم ظروف جيوسياسية بالغة التعقيد والحساسية، تتصل اتصالًا وثيقًا بالأمن الإقليمي المضطرب، حيث تتفاقم التحديات والملفات الملتهبة في أكثر من بقعة جغرافية، مما يزيد من حدة التوتر المتصاعد جراء شبح الأزمة المقلقة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي الإيراني، والتهديدات الصادرة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن احتمال اللجوء إلى الخيار العسكري إذا لم تمتثل إيران لمطالبه. ولا يسعنا إلا أن نتصور حجم الدمار الهائل الذي يمكن أن يلحق بالمنطقة، والأزمة العالمية المتفاقمة التي قد تنجم عن فشل المفاوضات الدبلوماسية.

ليس من المستبعد إطلاقًا أن تكون زيارة وزير الدفاع السعودي لإيران مرتبطة بالسعي إلى تهدئة حدة المواجهة المحتملة بين إيران والولايات المتحدة، وذلك ضمن أهدافها الاستراتيجية الأخرى. فالمفاوضات غير المباشرة التي جرت حتى الآن لم تحقق نتائج ملموسة أو تقدمًا ملحوظًا، وتتطلب تحركًا فاعلاً من طرف محايد يتمتع بالخبرة والكفاءة اللازمة لإنجاح هذه المهمة الحساسة. ولا شك أن المملكة العربية السعودية هي الطرف الوحيد القادر على الاضطلاع بهذا الدور المحوري.

لا يغيب عن الأذهان استضافة المملكة لمباحثات حول أخطر أزمة عالمية راهنة، وهي الأزمة الأوكرانية الروسية، بحضور أطراف فاعلة مثل روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة، وهو ما يُعد اختراقًا هامًا في مسار هذه الأزمة المعقدة منذ اندلاعها. ولم تقتصر مساهمة المملكة على مجرد استضافة المباحثات، بل كانت شريكًا فاعلاً فيها، من خلال مشاركة وزير الخارجية ومستشار الأمن الوطني، وبرعاية وإشراف مباشر من ولي العهد. وإذا كانت المملكة شريكًا استراتيجيًا موثوقًا به لدى الولايات المتحدة، فإن إيران تدرك تمام الإدراك أن المملكة هي خير وسيط نزيه ومؤتمن في مثل هذه الأزمة الحساسة، وأنها حريصة كل الحرص على تجنب أي تصعيد محتمل بينها وبين الولايات المتحدة، وذلك حرصًا منها على سلامة إيران وعلى الأمن والاستقرار الإقليميين. علاوة على ذلك، فإن خبرة المملكة الطويلة والناجحة كوسيط موثوق في تسوية العديد من الأزمات الأخرى تؤهلها بشكل كامل للتصدي لأزمة كبيرة محتملة.

إن المنطقة والعالم بأسره لا يتحملان المزيد من التوترات والصراعات. فالحروب السياسية والاقتصادية المتصاعدة قد جعلت العالم يتقلب على صفيح ساخن. والعالم اليوم أحوج ما يكون إلى تغليب لغة العقل والحكمة، وإلى تحرك الدول الحريصة على صون الأمن والسلام والاستقرار، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي تضطلع بهذا الدور النبيل بكل نزاهة واقتدار.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة